الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

ما ضاق به الفضاء من أخبار المحاماة والقضاء

عبد الرؤوف العيادي

وللبلطجة قانونها

معلوم أنّ التنصت على خطوط الهاتف يمارس بصورة واسعة من طرف البوليس ودون ترخيص قضائي، وكذلك عمليات قطع الاتصال الهاتفي وقطع خدمات الانترنت وغيرها من أشكال انتهاك حق الاتصال والانتفاع بالخدمة العامة. وقد تضمنت بيانات الجمعيات والمنظمات الحقوقية عدة شكاوى بشأن هذه الانتهاكات المتكررة.

وكما جاء قانون 10 ديسمبر 2003 (لدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب) ليُشرعِنَ عدة انتهاكات ويجد لها مكانا في "ظلال القانون". هاهو الأمر عدد 3026 لسنة 2008 المؤرخ في 15 سبتمبر 2008 والمتعلق "بضبط الشروط العامة لاستغلال الشبكات العمومية للاتصالات وشبكات النفاذ" يضع أصباغ الشرعية على الانتهاكات التي كانت إلى تاريخ نشره بالرائد الرسمي عدد 76 المؤرخ في 19 سبتمبر 2008 تحصل دون ظلّ ولا غطاء، إذ ورد في الباب الثاني من نصّ الأمر المذكور والذي عنوانه : "المساهمة في المهام العامة للدولة"، ما يلي:

"تمكين السلط المختصة من الوسائل الضرورية لإنجاز مهامها. ويتعيّن في هذا السياق على المشغّل الإذعان لتعليمات السلط القضائية والعسكرية والشرطة".

"الاستجابة في حالة الضرورة القصوى إلى تعليمات السلط العمومية القاضية بقطع جزئي أو كامل للخدمة أو القاضية بتعليق الإشعاعات الكهرومغناطيسية وفق التشريع الجاري به العمل"

هذا النص واضح فيما قصد منه، لكنّ بعض العبارات وإن تكشف حقيقة قناعات واضعي الأمر المذكور إلاّ أنّها تعدّ من قبيل الأخطاء الفاحشة، فمن المعلوم ومن الناحية الشكلية أنّ السلط القضائية لا تصدر تعليمات كما ورد بنصّ الأمر، بل أذونا وقرارات وأحكاما.

إلاّ أنّه من الواضح أنّ "السلطة القضائية" لا تعدو أن تكون جهازا مثل بقية الأجهزة وفق هذا المنظور وعليها "تمرير التعليمات التي يصدرها صاحب التعليمات".

هل من دليل آخر على تورط القضاء في أعمال التعذيب

ما حصل على مرأى ومسمع هيئة المحكمة الاستئنافية برئاسة القاضي المنوبي حميدان يوم 7 أكتوبر 2008 من أعمال عنف شديد بالركل والأحذية والضرب واللكم التي استهدفت متهما أوّل (رمزي الرمضاني) رفض المثول أمامها لفقدان الثقة في عدلها، ومتهما ثانيا (مختار النفاتي) الذي صاح "الله أكبر" احتجاجا على ما يحصل لزميله، كلّ ذلك يشكّل دليلا آخر على تواطؤ القضاء الذي يعدّ مشاركا فيما حصل إذ سبق أن قررت المحكمة حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم بعد رفض المتهمين المثول أمامها بجلسة سابقة، إلاّ أنّها تراجعت في ذلك القرار وعيّنت يوم 7-10-2008 للترافع فيها !

وهو ما يؤكّد أنّها كانت تنسّق مع جهة أخرى قصد إكراه المتهمين على المثول أمامها ولو باللجوء إلى القوة، ولتنفيذ ذلك طلبت المحكمة يوم الجلسة 7 أكتوبر إخلاء القاعة من الحضور عدا أعوان الشرطة، كما لاحظ لسان الدفاع قدوم تعزيزات من البوليس السياسي ذكّرته بأجواء محاكمة مجموعة سليمان التي شهدت الاعتداء على المتهمين في نهاية سنة2007 ثم حصل الاعتداء على المتهمين مرة أولى قبل عودة هيئة المحكمة بقاعة الجلسة ثم مرة ثانية بحضورها.

وأمام احتجاج المتهمين ومؤاخذتهم للمحكمة فيما التزمته من موقف سلبيّ، أجاب القاضي أنّه كان يروم من إجبار المتهمين على المثول الردّ على ما قد يثار من تشكيك لسان الدفاع في صحّة الإجراءات فأجابه أحد المحامين رادّا تعليله ذلك بأنّه يعتمد محاضر بحث مدلّسة من طرف البوليس السياسي، كيف هو اليوم يشكك فيما أفاده به أعوان البوليس من وجود المتهمين "بالجيول" ورفضهم المثول أمامه !

وللتذكير فإنّ القاضي ذاته طلب عند نظره في قضية "مجموعة سليمان" من المتهمين الكشف عن آثار التعذيب لمحاميهم، جوابا على طلب المحامين كشفها لمعاينتها من طرف المحكمة، استهانة وتحدّيا. ثم كان منه في هذه القضية انتهاكا وتعدّيا.

جريمة سرقة موصوفة لا يطالها القضاء

رئيس مركز شرطة قصر العدالة السابق و يدعى العلاني لم يختلس من أثاث محكمة الاستئناف بتونس سوى عدد 3 أجهزة كمبيوتر، حصل ذلك خلال شهر فيفري 2008 عندما كانت المحكمة تعج بأعداد البوليس الذين سخروا لمتابعة محاكمة مجموعة سليمان.

و بعد أن خضع كتبة المحكمة لضغوط عند استنطاقهم حول فقدان الأثاث المسروق أدى إلى تدخل النقابة قصد وضع حد لها ، تم اكتشاف مقترف السرقة الذي لم يوقف بالسجن و إنما طلب منه البقاء بمنزله بعد أن عوين المسروق داخله. و استمر المذكور معتكفا إلى أن أفرجت الإدارة عليه بأن طلب منه الالتحاق بمركزه الجديد بإقليم تونس. وحسب ما بلغنا فإنّ البحث معه انصب عما كانت بالأجهزة المستولي عليها معلومات يمكن أن يقع تسريبها لجهة ما .فلما كان الجواب بالسلب، لم يبق إلا الضرر المادي وهو لا يعد ضررا موجبا للمؤاخذة فهذا موكول لاجتهاد السلطة ومعياره معيارا ذاتيا ينصبّ على البحث فيمن يسرق، فهل يجري لا سمح الله تتبع وزير إذا أخذ رشوة بشقتين لابنيه من باعث عقاري و إذا دلس ضابط شرطة محضر بحث وإذا ما أزال مسؤول كبير أثر شكوى بدفتر الشكايات فالأمر سيتحول عندها إلى فوضى. وإن كانت فوضى القانون.

هل يعود المحاميان المدانان إلى المباشرة ؟

المحاميان اللذان أدينا في قضية افتعال حوادث مرور واستخلاص مبالغ تعويض من شركة التأمين دون وجه سارعا بتقديم مطلبين للالتحاق مجددا بقطاع المحاماة ( رفع عدم المباشرة) لمجرد الانتهاء من قضاء عقوبة السجن بالرغم من خطورة الجرم الذي أدينا من أجله و يبدو أنهما يريدان اقتفاء أثر محام مرّ بنفس المحنة بعد إرشاء قاض عسكري وأدين من أجل ذلك وقضى عقوبة السجن سنة ونصف السنة ثم عاد مسرعا ليلتحق من جديد بالقطاع. زمنها تداول المحامون جوابه عن سرعة قبول مجلس الهيئة السماح له بالعودة إلى المباشرة و المبدأ يقول من يمكنه الأكثر يمكنه الأقل ولا قلل لكم الله و لا حرمكم عبدا و دروسا.

متى يصبح للمحامي نفس الحق الذي هو للمواطن ؟

منذ سنوات عديدة صدرت التعليمات إلى كتابة وكالة الجمهورية بعدم تضمين الشكاوي التي يرفعها المحامون نيابة عن حرفائهم حينا مثلما هو الشأن للشكاوي التي يقدمها المواطن الذي يطلب منه الاستظهار ببطاقة الهوية الوطنية ثم يسلم نظيرا من العريضة بعد وضع ختم كتابة وكالة الجمهورية وعدد التضمين، إذ يطالب المحامي بمعاودة الاتصال بالكتابة المذكورة بعد يوم إلى حين الإطلاع على الشكوى من طرف النيابة العمومية التي قد تؤشر بقبول تضمينها أو رفض ذلك وهو ما يعني عدم المساواة بين المواطن والمحامي أمام المرفق العمومي إضافة ما قصد منه من إثناء المحامين على النيابة خاصة إذا تعلق الظلم بمشتكي به لا يطاله القانون.

و حدث أن حضرت بكتابة وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس 26/8/2008 قصد إيداع شكويين الأولى حررتها في حق السيدة سهام بن سدرين ضد شرطة المطار و الثانية سلمني إياها الأستاذ عبو و كانت في حق مواطن ادعى أن السيد عماد الطرابلسي قد سلبه مبلغ 250 ألف دينار. وعدت من الغد لتسلم نظير الشكويين وعليهما عدد التضمين إلا أن الكاتب اعتذر قائلا أنها مازالتا محل درس لدى النيابة العمومية وتكرر حضوري بالكتابة المذكورة إلى أن طمأنتني إحدى الكاتبات أن رئيس الديوان بوزارة العدل عاد من الإجازة وسيحسم في الموضوع قريبا، فاتصلت بنائب وكيل الجمهورية الذي سألني عن الأطراف المشتكي بها ووعدني بالبحث عن الشكويين في إحدى مكاتب مساعدي وكيل الجمهورية، وبعد مراجعته في الأمر عدة مرات أعلمني خلالها أنه حصل سماع الشاكي في الشكوى المرفوعة ضد عماد الطرابلسي، ويمكن اعتماد التصريحات المسجلة عليه، فتمسكت بالحق في تضمين الشكوى وبعد عدة أيام ظفرت بنظير العريضة وقد ضمن بها عدد الشكوى و لكن نص أن تاريخ تقديمها تم يوم 13/9/2008 وهكذا أصبح التدليس ليس حكرا على البوليس أليس كذلك يا سيدي الرئيس ؟

جريمة بدون ركن مادي (قل اللهم زدني علما)

جاء في قرار دائرة الاتهام عدد 9/77069 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس برئاسة رجاء الفالح و الذي بموجبه أحيل منّوبي رمزي الرمضاني ضحية الاعتداء الآثم الذي أتينا عليه فيما تقدم، قول المحكمة حرفيا :<<..بعد اقتناعهم بسياسة التكفير حتى يتسنى لهم التصدي للسلطة والحلول محلها علما و أن الجرائم الإرهابية لا تتطلب توفر الركن المادي...>>

و هو قول ينم عن جهل بقواعد القانون الجنائي إذ أنه من المتفق عليه لدى جميع شراح القانون أن الجريمة تقوم بأركان ثلاث : شرعي، مادي، ومعنوي. ولا وجود لجريمة عندما يختلّ أحد أركانها الثلاثة. فحتى الجريمة الشكلية تقتضي توفر الركن المادي وكذلك المحاولة. فهل هو الجهل أو التجاهل. إلا أنّ ما لا خلاف فيه هو أنّ الجهل يصبح خطرا على الجميع خاصة إذا هو نفذ إلى محكمة تعتبر محكمة عليا في منظومة "القضاء العدلي" كما أنه قد تتفق معي على أن القمع الأعمى الذي تصنعه التعليمات لا يحتاج إلى علم بقدر ما يحتاج إلى الجهل.

الوكالة العامة ترفض تسليم ما يفيد بلوغها شكوى فرع المحامين

أرسل الفرع الجهوي للمحامين بتونس عريضة مؤرخة في 9/10/2008 إلى الوكيل العام لمحكمة الاستئناف يعلمه فيها بالاعتداء الخطير الذي استهدف المتهم رمزي الرمضاني ويطلب فيه "اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المسؤولين عما حصل" إلاّ أن حامل العريضة من العاملين بالفرع المذكور وُوجه برفض كتابة الوكالة العامة وضع ختمها على المراسلة بما يفيد توصلها بها. وهي تسير بذلك على نهج وزارة العدل التي يكتفي من مكتب الضبط بالقول: "وِصَل". وهي "سياسية" تقوم على فتح باب المطالبة و قفل باب المحاسبة.

محنة قاض غير راض

يجد القاضي نفسه أحيانا و هو يقرر أطوار القضية يكابد أطوار محنة، فقد روي أحدهم ما استهدف له من اعتداء ومضايقات أثناء نظره في ملف أحد أطرافه أولي الطوْل، فقد تم الإضرار بسيارته التي يودعها عادة بمحطة باب عليوة و يمتطي الحافلة نحو مقر عمله، و تم تهديده بواسطة الهاتف حتى أن المسكين هجر منزله مدة ثلاثة أشهر لكي لا يقع تعقبه والتعرف على عنوانه، وأخيرا كان عليه أن يقنع زميلته بالالتحاق بالجلسة ليكتمل النصاب في تشكيلة هيئة المحكمة، وهي التي أحست بدوار لا ندري ما هو مصدره قد يكون نتيجة ما طالها من ضغوط... و كما للإجراءات أطوارها فإن لمحنة القاضي المستقل أطوارها.